الأمير التركيّ الّذي كاد أن يكون ملكًا على فلسطين | أرشيف

صورة متخيّلة للأمير الشهزاده محمّد شوكت | تصميم : علاء سلامة

 

العنوان الأصليّ: «ادّعاء أمير تركيّ عاش في مصر: كدت أصبح ملكًا على فلسطين عام 1948».

المصدر: «مجلّة الهلال».

الكاتب: محمّد حرب فرزات.

زمن النشر: 1 أيّار (مايو) 1988.

 


 

هذا ادّعاء للأمير الشهزاده محمّد شوكت، وهو ادّعاء مسجّل بصوته على شريط موجود في المكتبة الخاصّة لكاتب تركيّ، كان صاحب ورئيس تحرير «مجلّة السبيل الإستانبوليّة»، وقد أورد هذا الادّعاء مع ذكر مسألة التسجيل هذه في كتابه «مأساة آل عثمان»، الّذي صدرت طبعته الأولى في إسطنبول عام 1979 في الصفحات 300 إلى 318.

ولأنّ التاريخ جزء من ضمير الأمّة ونشره واجب في كلّ أشكاله، لذلك نرى لو استطاع الأحياء الّذين عايشوا الأمير، وعايشوا تفاصيل ادّعائه من قريب أو من بعيد، أن يُدلُوا بدلوهم في هذه القضيّة.

***

محمّد شوكت (1902 -1972)، هو حفيد السلطان عبد العزيز، تخرّج ضابطًا بحريًّا ثمّ عمل ياورًا لآخر سلاطين آل عثمان السلطان محمّد وحيد الدين.

أصدر أتاتورك، عقب إلغائه الخلافة والسلطنة رسميًّا – القانون رقم (431) الخاصّ بطرد كلّ أفراد الأسرة المالكة العثمانيّة إلى خارج البلاد، وبمقتضى هذا القانون طُرِدَ الأمير محمّد شوكت، فذهب إلى مصر وحيدًا، واستقبلته هناك في مصر عمّته، وعاملته معاملة الأمّ لابنها، ولم تكن ذات ولد، وإن كانت ذات ثروة وجاه، ولمّا ماتت أورثته مالها.

لم تكن الأسرة العلويّة المالكة في مصر، لأسباب تاريخيّة، على وفاق مع آل عثمان؛ فلمّا استقرّ الأمير المطرود في القاهرة، كوّن صلات قويّة مع مشايخ الأزهر وعلماء مصر والسياسيّين ورجال الجيش ورجال السلك الدبلوماسيّ الأجنبيّ فيها. وكانت للأمير صلة خاصّة وقويّة بعزيز باشا المصريّ، كما وجد الأمير نفسه محاطًا بمضايقات رجال القلم السياسيّ المصريّ وبحساباتهم لحركاته وسكناته.

انتهز الملك فؤاد فرصة وفاة عمّة الأمير محمّد شوكت وانتقال أموالها إلى الأميرة؛ فأمر بمصادرة هذه الثروة، وظلّ الأمير يطالب بحقّه دون جدوى حتّى قامت ثورة 23 تمّو (يوليو)؛ فأصدر الرئيس جمال عبد الناصر أمرًا بردّ الثروة إلى الأمير، كما أصدر أوامره إلى المسؤولين في الحكومة المصريّة آنذاك بالعمل على ردّ ميرات ضخم من الأراضي في اليونان – آلت إلى الأمير – وقال عبد الناصر إنّه إذا لم تحقّق الحكومة اليونانيّة هذا الطلب، فإنّ على حكومة مصر، مصادرة ثروات اليونانيّين في الإسكندريّة. ولولا صدور قوانين التأميم في مصر، لكان لثروة الأمير محمّد شوكت شأن آخر. 

كان الحلفاء قد احتلّوا القدس في 9 كانون الأوّل (ديسمبر) عام 1917، وأكملوا احتلالهم البريطانيّ لفلسطين في أيلول (سبتمبر) 1918، وأعلنوا، في ما بعد، أنّهم سينسحبون في عام 1948 .

رغب البريطانيّون في تكوين حكومة فيدراليّة تحلّ محلّ سلطة الانتداب، وكان سكّان فلسطين، عقب خروج البريطانيّين، يتألّفون من ثلثين من العرب وثلث آخر من اليهود.

قام وايزمان بإرسال ممثّل له إلى مصر هو الكولونيل اليهوديّ البريطانيّ شيفري، وأرسل معه أخوين لكي يختاروا رئيسًا لدولة فلسطين الجديدة، بشكلها البريطانيّ المقترح الّذي يرغبه البريطانيّون، ويكون هذا الرئيس من أفراد الأسرة المالكة في مصر، تجنّبًا لوجود فلسطينيّ عربيّ على رأس الدولة الجديدة.

قال الكولونيل شيفري إنّ اليهود يرحّبون بالحكومة الفلسطينيّة المقترحة حسب البرنامج البريطانيّ، وأنّ شكل الدولة الجديدة لا يهمّ اليهود في شيء، من ناحية أن يكون ملكيًّا أو جمهوريًّا أو خلاف ذلك، المهمّ ألّا يكون شخص الرئيس عربيًّا.

عرض الوفد اليهوديّ في القاهرة فكرة رئاسة فلسطين ما بعد الانتداب البريطانيّ على الأمير عبّاس حليم، فرفض؛ ذلك أنّ الحكومة المصريّة لم تكن ترى أنّه من المناسب تولّى أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مصر عرش فلسطين.

قابل الكولونيل شيفري في القاهرة الأمير محمّد شوكت، وحاول إقناعه بقبول عرش فلسطين، فاشترط الأمير موافقة الفلسطينيّين وموافقة سلطات الاحتلال البريطانيّ في مصر، الّتي كان الأمير مقيمًا فيها.

وافقت السلطات العسكريّة البريطانيّة في مصر، على رأسها الجنرال ويلسون، القائد العامّ للجيوش البريطانيّة في الشرق الأدنى، على ذلك. وقام عزيز باشا المصريّ بإقناع الزعماء الفلسطينيّين في القاهرة بالشروع في اجتماع عقده لهم لهذا الأمر في ’فيلّته‘ في عين شمس، في القاهرة. قال عزيز باشا إنّه يرى مصلحة فلسطين في تنفيذ هذا المشروع، وأنّه من شأنه، في حالة تنفيذه، إبعاد مشاكل ستحدث مستقبلًا، وطلب هؤلاء الزعماء من عزيز باشا أن يمهلهم حتّى يعرضوا المسألة على الحاجّ أمين الحسيني، بوصفه رئيسًا للجنة العربيّة الفلسطينيّة العليا.

كان وايزمان، أثناء ذلك، يتابع تطوّرات الموقف، وانتقل إلى القاهرة خصيصًا لمتابعة تطوّرات الردّ العربيّ الّذي كان ينتظره بقلقٍ.

لكنّ أعضاء اللجنة العربيّة الفلسطينيّة العليا لم يتوصّلوا إلى اتّفاق؛ فقد كانوا بين معارض وبين مؤيّد، ولمّا طال انتظار الأمير محمّد شوكت، أرسل مندوبًا عنه إلى الحاجّ أمين الحسيني، وكان في لبنان، والتقى به مندوب الأمير. قال الحاجّ أمين للمندوب إنّه يتّفق مع رأي عزيز باشا، وأنّ دولة فلسطينيّة برئاسة الأمير محمّد شوكتب تعني تجنيب الفلسطينيّين لبلاء يمكن أن يعمّ البلاد. وكتب الحاجّ أمين خطابًا إلى الأمير يتضمّن هذا الكلام. لكنّ الخطاب لم يكن كافيًا لكي يتّخذ الأمير قراره؛ فلم يكن خطاب رئيس اللجنة الفلسطينيّة العليا متضمّنًا قرار أغلبيّة اللجنة على هذا الرأي.

نتيجة لاقتراب موعد انسحاب القوّات البريطانيّة من فلسطين مع عدم وصول ردّ يفيد باتّفاق الفلسطينيّين على رأي مشروع عرش فلسطين والحكومة الفيدراليّة، سكت الأمير محمّد شوكت، وغادر وايزمان القاهرة مع الكولونيل شيفري لإعداد شيء ما عند الانسحاب البريطانيّ.

عرض البريطانيّون بعد ذلك على الأمير اقتراحًا آخر، بأن يعلن نفسه ملكًا على فلسطين ويعلن قيام حكومة الثلثين والثلث في ظلّ وجود القوّات البريطانيّة وقبل انسحابها؛ فرفض الأمير.

وفي 14 أيّار (مايو) 1948، انسحب البريطانيّون من القدس، وفي 15 أيّار (مايو) دخلت الجيوش العربيّة فلسطين، ثمّ حدث ما حدث من مأساة ونكبة وكارثة.

 


 

عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.